فصل: مسألة العمل على الحديث الذي جاء في القافة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الحامل من غير زوج تلد في أرض الإسلام توأما:

ومن كتاب أوله طلق ابن حبيب:
قال: وسئل مالك عن الحامل من غير زوج تلد في أرض الإسلام توأما بأيهم يتوارثون؟ قال أرى أن يتوارثا من قبل الأم، قيل له: فولد الملاعنة بأيهما يتوارثان؟ قال بأصلهما، فقيل له: من قبل الأب؟ قال نعم، وقد كان عمر بن الخطاب يليط أولاد الجاهلية وهم زنى بآبائهم، فقيل له: فالتي تأتي حاملا من أرض الشرك تسبى فتلد في الإسلام توأما؟ قال يتوارثان من قبل الأب وهذا بيّن، وإنما مثل ذلك مثل ما لو جاء أهل قرية يريدون الإسلام- وامرأة حامل- فولدت في أرض الإسلام، فهم يتوارثون من قبل أبيهم فقيل له: إنه لا يدري الزوج أو غيره؟ فقال: هو من الزوج إذا كان في الشرك، وقد ألاط عمر بن الخطاب ما كان في الشرك وهو زنى.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة وقد كان عمر بن الخطاب يليط أولاد الجاهلية بمن استلاطهم وهم زنى بآبائهم يريد بالقافة، إنما يصح الاحتجاج به على التي تأتي حاملا من أرض الشرك، فتلد توأما، فكان صوابه أن يكون بإثرها لا بإثر مسألة الملاعنة، وقد يحتمل أن يريد بوجه احتجاجه أنه إذا كان عمر يليط أولاد الزنى- في حال ما- بآبائهم فأحرى أن يتوارث أتوام الملاعنة من قبل الأب، إذ ليس بزنى، لشبهة الفراش. وقد اختلف في أتوام الملاعنة ولم يختلف في أتوام المسبية والمستأمنة أنهما يتوارثان من قبل الأب والأم، وفي أتوام المغتصبة اختلاف، وقد اختلف أيضا في أتوام الزانية وقد مضى القول على ذلك كله مستوفى بالدلالة عليه في أول سماع ابن القاسم من كتاب اللعان، فلا معنى لإعادته هاهنا مرة أخرى، وبالله التوفيق.

.مسألة جدة الأب أم أب الأب إذا لم يكن ثم غيرها من الجدات ولا أم:

ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات:
وسئل مالك عن جدة الأب- أم أب الأب- إذا لم يكن ثم غيرها من الجدات ولا أم، أترث؟ قال مالك لا ترث- وإن لم يكن ثم غيرها، فإنها لا ترث.
قال محمد بن رشد: لم يختلف قول مالك وأصحابه في أنه لا يرث من الجدات إلا جدتان، أم الأم- وإن علت، وأم الأب- وإن علت على ما روي عن زيد بن ثابت. قال مالك ولم نعلم أحدا ورث غير جدتين منذ كان الإسلام إلى اليوم، فإن اجتمعا فالسدس بينهما، إلا أن تكون التي من قبل الأم أقرب. ومن أهل العلم- من غير المذهب- من يقول أن السدس للأقرب منهما، ولا يكون السدس بينهما إلا إذا استوتا في القرب؛ وروي عن ابن أبي أويس أنه قال: سألت مالكا عن الجدتين اللتين ترثان، والثالثة التي تطرح وأمهاتها؟ فقال: اللتان ترثان أم الأم وأم الأب وأمهاتهما- إذا لم تكونا. والثالثة التي تطرح: أم الجد أبي الأب وأمهاتهما؛ قال ابن أبي أويس: وأما أم أبي الأم فلا ترث شيئا؛ وقد روي «عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ورث ثلاثة جدات: اثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم» وهو قول الأوزاعي، وروي مثله عن زيد بن ثابت، وروي عن ابن مسعود، وابن عباس- أنهما ورثا الجدات الأربع: أم الأم، وأم الأب، وأمهاتهما، وأم أبي الأب، وأم أبي الأم، وأمهاتهما، وإن علون. وروي عن ابن عباس أيضا قول ثان: أن الجدة كالأم إذا لم تكن أما، فترث على هذا الثلث، وهو خلاف الإجماع؛ فيشبه أن يكون الذي روى ذلك عن ابن عباس، قاسه على قوله في الجد لما جعله أبا؛ ظن أنه يجعل الجدة أما، والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة إذا استلحق من لا يشبه أن يكون ابنه:

ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا:
وسئل مالك عن الرجل يقول لغلامه: هذا ابني، والغلام معروف أنه سندي والرجل فارسي هل يصير حرا؟ قال مالك: ما يدعي من ذلك مما يستيقن الناس أنه ليس بابنه ولا ولده، فهو غير لاحق به.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا استلحق من لا يشبه أن يكون ابنه، وتبين في استلحاقه إياه كذبه، فلا يلحق به وإنما اختلف قول ابن القاسم إذا استلحق من يشبه أن يكون ابنه ولم يعلم ما يدعي من ملكه لأم المستلحق، أو تزويجه إياها، فإن عرف ملكه لها إن كانت أمة، أو تزويجه إياها إن كانت حرة وأتت به لما يشبه أن يكون منه، ولم يحزه غيره بنسب، لحق به باتفاق؛ فوجه يلحق به باتفاق، ووجه لا يلحق به باتفاق، ووجه يختلف في إلحاقه به، وإذا لم يلحق به في الموضع الذي يتفق أنه لا يلحق فيه لتبين كذبه فلا يتفق عليه، إن كان عبدا له؛ قال سحنون؛ وإذا لم يلحق به في الموضع الذي يختلف فيها إلحاقه به على القول بأنه لا يلحق به، فإنه يعتق عليه إن كان عبدا له، وبالله التوفيق.

.مسألة يقر فيقول هذا أخي ولا يعرف للمقر نسبا أصلا:

وقال ابن القاسم: في الرجل يقر فيقول، هذا أخي ولا يعرف للمقر نسبا أصلا، أنه إن مات ورثه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال أنه يرثه بإقراره له أنه أخوه، يريد أنه إذا كان قد قال أن هذا أخي شقيقي أو لأب، ولم يعرف له نسب أصلا؛ لأنه إذا عرف له نسب فقد تبين كذبه، ومعنى ذلك إذا لم يكن له وارث معروف بنسب ولا ولاء على ما قاله في المدونة وغيرها؛ وأما إن كان قال: هذا أخي ولم يزد على ذلك، ولا سئل عن بيان ما أراد حتى مات، فلا يرث إلا السدس، لاحتمال أن يريد أنه أخوه لأمه، فيكون بمنزلة إذا قال هذا أخي لأمي ولا يثبت نسبه بإقراره له، وإنما يرثه مراعاة لقول أهل العراق في قولهم أن الرجل إذا لم يكن له وارث، فله أن يوصي بجميع ماله لمن أحب، وليس له عند مالك وجميع أصحابه أن يوصي بأكثر من الثلث، وقد قيل: إن الميراث لا يكون له إلا بعد يمينه أن ما أقر له به المتوفى حق ويقوم ذلك من كتاب الولاء والمواريث من المدونة، والوجه في ذلك، أنه أنزل إقراره به كشهادة له بالنسب، فوجب أن يحلف معه ويستحق الميراث، كالذي يدعي ميراث رجل قد مات ولا وارث له، فيأتي بشاهد يشهد له بنسبه، فإنه يحلف مع شاهده فيأخذ المال ولا يستحق النسب؛ وهذا مذهب ابن القاسم، ويحلف على هذا المقر له مع إقرار المقر به- وإن لم يكن عدلا مراعاة؛ لقول أهل العراق الذي ذكرناه، وسحنون يرى بيت المال كالنسب القائم، فلا يوجب للمقر له ميراثا بإقرار المقر وإن لم يكن له وارث معروف؛ هذا هو المنصوص عن سحنون، وله في نوازله من هذا الكتاب خلاف ذلك، مثل قول الجماعة، ولا يجوز إقراره له بأنه وارثه ويرثه به إذا كان له وارث معروف بنسب أو ولاء، إلا في خمسة مواضع، وهي: أن يقر بولد، أو بولد ولد، أو بأب أو بجد، أو بزوجة- إذا كان معها ولد أقر به أيضا واستلحقه، غير أن وجوهها تفترق؛ فأما إذا أقر بولد فيلحق به نسبه في الموضع الذي ذكرناه في المسألة التي قبل هذه أنه يلحق به فيه باتفاق أو على اختلاف أقر الولد، أو أنكر؛ فإن شاء أخذ ميراثه، وإن شاء تركه؛ وأما إذا أقر بولد ولد فلا يلحق به إلا أن يقر به الولد، فيكون هو مستلحقه، أو يكون قد عرف أنه ولده فيكون إنما استلحق هو الولد؛ وكذلك إذا أقر بأب لا يلحق به ويرثه، إلا إذا أقر به الولد فيكون هو مستلحقه؛ وأما إذا أقر بجد فلا يلحق به؛ إلا أن يقر الجد بأبيه، ويقر أبوه به، فيكون كل واحد منهما قد استلحق ابنه؛ وأما إذا أقر بزوجة لها ولد أقر به فإقراره بالولد يرفع التهمة في الزوج فترثه وإن لم تثبت الزوجية ولا عرفت، وبالله التوفيق.

.مسألة العمل على الحديث الذي جاء في القافة:

من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الأقضية:
قال أشهب وابن نافع سألنا مالكا أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون؟ قال: أما فيما يلحق من الولد فنعم، وأما بغايا الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية، ولا أرى أن يؤخذ بقول قائف واحد، وأرى أن يؤخذ بقول قائفين، لا أرى أن يجزي في ذلك، إلا اثنان؛ لأن الناس قد دُخلوا، وفي رواية محمد بن خالد عن ابن القاسم أن الغائب الواحد يؤخذ بقوله إذا كان عدلا.
قال محمد بن رشد: وقع في هذه المسألة اختلاف في الرواية، ونص الرواية الواحدة سألنا مالكا أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون، قال: أما فيما يلحق من الولد فنعم، وأما بغايا الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية. ونص الرواية الثانية سألنا مالكا أترى العمل على الحديث الذي جاء في القافة يؤخذ بقولهم اليوم ويصدقون؟ قال أما ما يلحق من الولد فنعم، وأما بقايا الجاهلية فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية. وفي المسألة على كلا الروايتين إشكال يفتقر إلى تخريج وبيان، أما الرواية الأولى فقوله فيها أما فيما يلحق من الولد فنعم- يريد أما فيما يلحق ولد الأمة يطؤها البائع والمشتري أو الشريكان في طهر واحد فنعم. وقوله فيها وأما بغايا الجاهلية، فلا أرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا- يريد أن الرجلين إذا ادعيا ولد بغي من زنى كان في شركهما لا يثبت نسبه لواحد منهما بالقافة. وقوله فيها ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية- يريد أي لا يسامح لشيء في ذلك بسبب استحلالهم للزنى؛ وهذه الرواية تخرج على مذهب ابن الماجشون في قوله إنه لا يتوارث في الإسلام بولادة الشرك وإن ثبت النسب بالبينة على ظاهر قول عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا يتوارث في الإسلام بولادة الجاهلية. وأما الرواية الثانية فالوجه فيها أن السؤال إنما كان عن العمل على الحديث الذي جاء في القافة في الموضع الذي جاء فيه عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو في المتداعيين ولد امرأة من زنى كان منهما في الشرك بها فقال أما فيما يلحق من الولد- يريد بأحد المتداعيين فيه من الزنى في الشرك فنعم، وقوله فيها وأما بغايا الجاهلية، فلا يريد مثل البغايا اللواتي كن ينصبن أنفسهن في الجاهلية للزنى فيدخل عليهن العدد الكثير من الرجال وكان لهن رايات يعرفن بها، فإذا استمر بإحداهن حمل جمع لها كل من دخل عليها فألحقت القافة ابنها بمن رأت أنه له منهم- شاء أو أبى، فلم ير القافة في مثل هذا. وقوله بعد ذلك فيها: وأرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا، ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية- يعود على أول المسألة في المتداعيين ولد امرأة من زنى كان في الشرك، لا على مسألة البغايا التي تليها؛ فعلى هذا التأويل تستقيم هذه الرواية، وإنما التبست بما وقع فيها من التقديم والتأخير؛ فلو قال فيها: أن فيما يلحق من الولد فنعم، وأرى أن يؤخذ بقولهم ويصدقوا ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية: وأما البغايا فلا، لارتفع الإشكال منها، وكان معناها للذي حملناها عليه، ووجهناها به؛ ولا يحكم بقول القافة إلا في أولاد الإماء دون الحرائر؛ لأنهم لو نفوا الولد عن أبويه في الحرة، لزمهم الحد، ولا يلزمهم ذلك في الإماء. قاله ابن دحون، وليس بتعليل صحيح. لأن من زنى بأمة إن لم يجب عليه الحد، يجب عليه الأدب؛ وقد تكون الحرة قد ماتت وليس لها من يقوم بحدها فلا يلزم من قذفها شيء، وإنما تدعى القافة لتلحق الولد بأحد السيدين، لا تنفيه عنهما جميعا؛ وقد روي عن مالك أن القافة تكون في أولاد الحرائر؛ لأنها إنما تدعي لتلحق الولد بأحد الزوجين لا لتنفيه عنهما جميعا، ولو نفته عنهما جميعا بالشبه من غير تحقيق، لما لزمها حد، وإنما لم تكن القافة في أولاد الحرائر على المشهور في المذهب لحرمة النكاح وقوة الفراش به، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الولد للفراش وللعاهر الحجر.» فوجب لهذا الحديث أن يلحق الولد بصاحب الفراش الصحيح دون الفاسد. وأما قوله في آخر المسألة ولا أرى أن يؤخذ بقول قائف واحد إلى آخر قوله، فقد مضى الكلام عليه في نوازل سحنون من كتاب الشهادات فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة القوم من أهل الحرب يسلمون جماعة:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس قال عيسى: وقال ابن القاسم في القوم من أهل الحرب يسلمون جماعة، فيستلحقون أولادا من زنى. قال إذا كانوا أحرارا ولم يدعهم أحدهم لفراش فهم ولده، ويلحق به الولد؛ وقد ألاط عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من ولد في الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام، إلا أن يدعيه معه سيد الأمة، أو زوج حرة؛ لأنه قد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الولد للفراش وللعاهر الحجر.» فإذا ادعاه معه سيد الأمة أو زوج الحرة، فهو أحق به قلت: والنصارى يسلمون فيدعون أولادا من زنى كانوا في نصرانيتهم، فقال: يلاطون بهم؛ لأنهم يستحلون في دينهم الزنى وغيره. قلت فإن استلحق رجل منه ولد أمة مسلم أو نصراني فقال إذا ألحقه به، فإن أعتق يوما ما كان ولده وورثه.
قال محمد بن رشد: قوله في أول هذه المسألة إذا كانوا أحرارا ولم يدعهم أحد لفراشه فهم ولده، يدل على أنهم إذا كانوا عبيدا فلا يلحقون به، وإن لم يدعهم أحد لفراش، وقد وقع مثل هذا في كتاب أمهات الأولاد من المدونة، وهو خلاف قوله في آخر المسألة. إذا ألحقه به فإن عتق يوما ما كان ولده وورثه، وهذا الذي قاله في آخر المسألة هو الصحيح، إذ لا يمتنع أن يكون ابنا للمقر به المستلحق له، وعبدا للذي هو بيده. وفي قوله ألحقه به فإن عتق يوما ما كان ولده وورثه، تجاوز في اللفظ بتقديم وتأخير وقع في الكلام، وحقيقته إذا ألحقه به، ويكون ولده، فإن عتق يوما ما ورثه، وبالله التوفيق.

.مسألة يدخل أرض حرب فيقيم بها سنين ثم يخرج ومعه ذرية:

ومن كتاب أسلم وله بنون صغار:
وسألت ابن القاسم عن الرجل من المسلمين يدخل أرض حرب فيقيم بها سنين ثم يخرج ومعه ذرية فيقول هؤلاء أولادي، هل يجوز إقراره؟ أم هل يتوارثون بذلك؟ قال نعم، إقراره جائز وهم يتوارثون به.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: أنهم يلحقون به؛ لأن ما ادعاه يشبه لخروجه بهم من دار الحرب، وهو المشهور المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها، ويأتي على ما حكاه ابن المواز عنه أنه لا يلحق به، إلا أن يعلم أنه تزوج أمة، أو اشتراها، وقد مضى القول على هذا محصلا في سماع رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة توفي وترك عم أبيه وجد أبيه:

ومن كتاب شهد على شهادة ميت:
وعن رجل توفي وترك عم أبيه وجد أبيه، من أولى بالميراث وولاء مواليه؟ قال ابن القاسم: جد الأب أولى بالميراث وولاء الموالي من عم الأب؛ لأني سألت مالكا عن العم والجد من أولى بالميراث، فقال: الجد أولى.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العم ولد الجد، وعم الأب ابن جد الجد؛ وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الولاء للكبر» يريد الأقرب فالأقرب، وأقرب الناس إلى الرجل بعد ولده، أبوه ثم ولد الأب وهم الإخوة: الأقرب فالأقرب، ثم جده، ثم ولد جده، وهم الأعمام: الأقرب فالأقرب أيضا؛ ثم ولد الجد، ثم ولده- الأقرب فالأقرب؛ ثم جد الجد، ثم ولده أيضا- الأقرب فالأقرب؛ هكذا أبدا إلى ما يمكن أن يدرك الأسفل الأعلى، ويستوي في هذا الولاء والميراث؛ لأن الميراث فيه إنما هو بالتعصيب ولا يرث بالتعصيب، إلا الأقرب فالأقرب بمنزلة ميراث الولاء، وبالله التوفيق.

.مسألة توفي وترك ابن أخيه وجد أبيه:

وعن رجل توفي وترك ابن أخيه وجد أبيه، من أولى بميراثه؟ قال ابن القاسم: جد الأب أولى- وهو في مكان الجد- إذا لم يكن جد دنية، وابن الأخ أولى من الجد بالولاء، بخلاف المال.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن جد الجد- وإن علا- فهو بمنزلة الجد إذا لم يكن دونه جد، وقد قيل فيه: إنه أب يحجب الإخوة كلهم في الميراث، ومذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ أنه يقاسم الإخوة أشقاء كانوا أو لأب، ولا ينقصونه من الثلث شيئا- إن كان الإخوة أكثر من اثنين، فإن اجتمع معه أخ شقيق وإخوة لأب عاده الأخ الشقيق بالأخوة للأب، فردوه بهم إلى الثلث، وكان للأخ الشقيق ما بقي؛ لأنه أحق من الذين للأب، فإن كان مكان الأخ الشقيق أخت شقيقة، كان للأخوة للأب ما فضل بعد حظ الأخت الشقيقة، والجد في الميراث يحجب بني الأخوة كلهم؛ وأما في الولاء، فهم أحق منه لأنهم بنو الأب، وبنو الأب- وإن سفلوا- أقرب من الجد على ما ذكرناه في المسألة التي فوق هذه من ترتيب الأقرب فالأقرب من العصبة، قال مالك: ذلك كله على قياس ما ذكره في موطئه من أن معاوية ابن أبي سفيان كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد، فكتب إليه زيد بن ثابت إنك كتبت إلي تسألني عن الجد- والله أعلم- وذلك مما لم يقض فيه إلا الأمراء، يعني الخلفاء، وقد حضرت الخليفتين قبلك يعطيان النصف مع الأخ الواحد، والثلث مع الاثنين؛ فإن كثر الأخوة لم ينقصوه من الثلث- والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة يستلحق الولد ثم ينكره بعد استلحاقه:

ومن كتاب أوله يدير ماله فتحل زكاته:
وسئل عن الذي يستلحق الولد ثم ينكره بعد استلحاقه إياه-
ويموت الولد عن مال، فلا يأخذه المستلحق؛ قال يوقف ذلك المال، فإن مات هذا المستلحق، صار المال لورثته وقضي به دينه، وإن قام عليه غرماؤه، وهو حي، أخذوا ذلك المال في ديونهم.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة يوقف ذلك المال إلى آخر قوله، كلام فيه نظر؛ لأن إنكار الولد بعد استلحاقه إياه إنما لا يسقط نسبه إن مات قبله؛ لأنه إن مات قبله اتهم في قطع نسبه فورثه الابن؛ ثم إن مات الابن بعده، كان ميراث الابن لعصبته من قبل أبيه المستلحق له؛ ولو رجع في حياته إلى استلحاقه، صح له رجوعه وورثه إن مات؛ وأما إن مات ابن المستلحق قبله، فالواجب أن يكون جميع ميراثه لجماعة المسلمين؛ لأنه مقر أن هذا المال لهم، لا حق له فيه معهم، وهم لا يكذبونه، فلا معنى لتوقيفه؛ إذ لا يصح أن يقبل رجوعه فيه بعد موته برجوعه إلى استلحاق ابنه؛ لأنه قد ثبت لجماعة المسلمين بثبوته على إنكاره إلى أن مات، فليس له أن يرجع فيه؛ بخلاف من أقر لرجل بمال فأنكره المقر له به؛ لأن هذا يجب توقيفه ليأخذه من رجع منهما أولا إلى تصديقه صاحبه كالرجل يقر للمرأة أنه قد دخل بها وهي تنكر، وما أشبه ذلك على اختلاف في هذا الأصل، فالذي يوجبه النظر في هذه المسألة الأحق في ميراث هذا الابن المستلحق إذا مات المستلحق قبل أبيه- لورثة أبيه المنكر له بعد استلحاقه، ولا لأهل دينه، ولا لغرمائه- إن قاموا عليه- وهو حي- إذا كان إنكاره الولد في حياته أو بعد وفاته، إلا أن يكون إنكاره إياه بعد وفاته وهو مفلس، إذ لا يجوز إقراره بعد التفليس بما في يديه أنه لغير غرمائه، وهذا بين كله- والحمد لله؛ ووجه هذا القول على ما فيه من الاعتراض، أنه لما رجع عن إقراره به في حياته، أنهم على قطع نسبه الذي كان قد ثبت له بإقراره، فأبطل رجوعه ولم يجعل له تأثير؛ والقياس أن يلزم رجوعه عن إقراره به إذا مات قبله، فيصير ميراثه منه لبيت مال المسلمين، ولا يكون لغرمائه فيه شيء، وإنما يجب أن يوقف ميراثه منه كما قال، فيكون لورثته- إن مات، ويقضى به دينه، ويأخذه غرماؤه إن قاموا، وهو حي إن كان أنكره بعد استلحاقه إياه- وله ولد لأنه إذا كان له ولد اتهم في قطع نسبه منه، وإن مات، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يكون له ولدان حران وأبو العبد حر فيموت أحد الولدين:

ومن كتاب الجواب:
وسألته عن العبد يكون له ولدان حران، وأبو العبد حر، فيموت أحد الولدين، أيكون الميراث كله للجد؟ أو يكون بينه وبين الأخ الباقي؟ وعن قول مالك في موطئه الجد يجر الميراث أي ميراثه هو، وقال ابن القاسم: الميراث بين الجد والأخ نصفين، وهذا مما لم تختلف فيه الأمة، وهو وارث معه والجد أخ مع الأخ، وإنما تفسير قول مالك: أن الجد يجر الميراث، إنما ذلك إذا كان وحده ولم يكن معه وارث غيره جر الميراث كله ولم يمنعه من حياة الأب؛ لأن الأب العبد لا يحجب؛ لأنه بمنزلة الميت والكافر.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة الميراث بين الأخ والجد بنصفين صحيح، لا اختلاف فيه في المذهب على ما جاء عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وزيد بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وقوله: وهذا مما لم تختلف فيه الأمة يريد أنها لم تختلف في أن العبد لا يرث ما لم يعتق، وأما ميراث الأخ أو الأخوة الأشقاء أو الذين للأب مع الجد، لاختلاف بين الأمة فيه كثير، لا يمكن أن يغيب علمه عن ابن القاسم، ممن جاء عنه أنه أنزل الجد مع الأخوة بمنزلة الأب، وجعله أحق بجميع الميراث، منهم: أبو بكر الصديق، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وعائشة أم المؤمنين، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وابن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وهو مذهب أبي حنيفة، المزني من أصحاب الشافعي؛ وقول جل أهل العلم يتنزل الجد منزلة الأب في عدم الأب، كما يتنزل ابن الابن بمنزلة الابن في عدم الابن، وقوله في الرواية بعد ذلك وهو وارث معه- يريد في مذهب مالك الذي يأخذ به، تفسيره لما سأل عنه مما ذكر أنه وقع في موطأ مالك من قوله الجد يجر الميراث أي ميراث هو صحيح لا إشكال فيه على ما حكاه من أنه وقع في موطئه، ولم يقع في الموطأ على هذا النص، وإنما وقع فيه على نص فيه إشكال واختلال، ونص ذلك: قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في ولد العبد من امرأة حرة وأبو العبد حر، أن الجد أبا العبد يجر ولاء ولد ابنه الأحرار من امرأة حرة، يرثهم ما دام أبوهم عبدا، فإن عتق أبوهم رجع الولاء إلى مواليه، وإن مات وهو عبد كان الميراث والولاء للجد، وإن العبد كان له ابنان حران فمات أحدهما وأبوه عبد جد الجد أبو الأب الولاء والميراث، هذا نص قوله في الموطأ فمعنى قوله فيه أن الجد أبا الجد يجر ولاء ولد ابنه الأحرار من امرأة حرة يرثهم، هو أن الجد كان معتقا وأعتق أحد ولد العبد الأحرار عبدا، فتوفي- ولا مواريث له إلا مولى الجد المعتق، فإن الجد يجر ولاء مولى حفيده المتوفى إلى مولاه فيرثه ما دام ابنه عبدا، فإن أعتق جر الولاء إلى مولاه وكان أحق به من مولى أبيه الجد؛ ويحتمل أن يريد بقوله يجر ولاء ولد ابنه الأحرار أي يجر ميراث ولد ابنه الأحرار إلى مولاه الذي أعتقه، فيكون أحق به ما دام أبوهم عبدا، فإن أعتق أبوهم رجع الولاء إلى الميراث إلى مواليه، كما قال، وكانوا أحق به من مولى الجد؛ وإنما قلنا ذلك؛ لأن ولد العبد من امرأة حرة أحرار من أصلهم، لا ولاء لأحد عليهم؛ وأما قوله: وأن العبد كان له ابنان حران فمات أحدهما وأبوه عبد جر الجد أبو الأب الولاء والميراث؛ فكلام مختل وقع على غير تحصيل، والله أعلم، جد الأخ الولاء وكان الميراث بينهما، وكذلك وقع في رواية مطرف، وإنما قلنا إنه الصواب، من أجل أنه لا اختلاف في المذهب في أن الجد في الميراث مع الأخ بمنزلة أخ يكون الميراث بينهما بنصفين، ولا في أن موالي الأخ أحق من موالي الجد، ويحتمل أن يكون وجه قوله على اختلاله أنه إن مات أحدهما، وأبوه عبد جر الجد إلى نفسه نصف الميراث؛ لأنه يكون بينه وبين الأخ ما دام الأب عبدا، وأنه إن مات لأحد الابنين مولى ولا وارث له إلا مولى الجد، جر الجد ولاءه إلى مولاه، فكان أحق به- ما دام ابنه عبدا لم يعتق، فإن عتق جر الولاء إلى مولاه، فكان أحق به من مولى الجد، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك ابنته وعصبته:

ومن كتاب العتق:
وسألت ابن القاسم عن رجل هلك وترك ابنته وعصبته، فقالت الابنة: هذا أخي؛ قال ابن القاسم: قال مالك: تدفع إليه ثلث ما في يديها.
قال محمد بن رشد: قوله تدفع إليه ثلث ما في يديها، هو المعلوم من قول مالك المشهور من مذهبه أن الوارث إذا أقر بوارث لا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما زاد نصيبه في الإنكار على الإقرار؛ فإن نقص نصيبه في الإنكار، أو لم يزد على نصيبه في الإقرار، مثل أن تقر الزوجة بأخ وما أشبه ذلك، وفي ذلك في المذهب اختلاف، قيل: إن من حق المقر له أن يرجع على المقر بما يجب له على المقر به، وبنصف ما يجب له على المنكر له، فإن أقر المنكر يوما ما، رجع كل واحد منهما بما بقي عليه من حقه حتى يستووا جميعا في الميراث، فقال ذلك، يترك الميت ابنين فيقر أحدهما بأخ، فإن المال يكون بين الابنين الثابتي النسب بنصفين، ثم يرجع المقر له على المقر في النصف الذي له فيشاركه فيه بالسواء؛ لأنه يقول له: أنت مقر لي أني أخوك، فادفع إلي نصف ما بيدك، فإن أقر المنكر بعد ذلك دفع من النصف الذي بيده إلى كل واحد منهما سدسه، فيكمل لكل واحد منهما بذلك ثلث المال، ويبقى بيده هو ثلثه أيضا فيستوون جميعا في الميراث، وكذلك على قياس هذا القول لو توفيت امرأة عن زوج وأخت، فأقر الزوج بأخ لرجع الأخ المقر به على الزوج الذي أقر به بثلث ما بيده، فإن أقرت الأخت به يوما ما رجع الزوج عليها بما رجع به الأخ عليه المقر به، ورجع الأخ المقر به عليهما ببقية حقه، مثال ذلك: أن تترك المتوفاة ستين دينارا فيأخذ الزوج ثلاثين والأخت ثلاثين دينارا ثم يرجع الأخ المقر به على الزوج الذي أقر به، فيقول له الثلاثون التي أخذت لا تجب لك إلا من ستين- وأنت قد أقررت أني أخو المتوفاة، فوجب لي على قولك من الستين عشرون، فلا يجب لك إلا نصف الباقي وذلك عشرون لأن الأخت قد جحدتني العشرين، فصارت بجحودها مستهلكة لها، فإن أقرت الأخت به يوما ما أخذ منها العشرين الواجبة له، فرد منها على الزوج العشرة التي قبضت منه؛ وأقل ما تنقسم منه هذه الفريضة على ما رتبه أهل الفرائض اثنا عشر، وهذا مذهب ابن كنانة من أصحابنا، لذلك قال على أصله: هذا في مسألتنا أن الأخت تدفع إلى الأخ الذي أقرت به ثلثي ما بيدها؛ لأنه يقول لها أنت مقرة إني أخوك فادفعي إلي ثلثي ما بيدك، فإن أقر العصبة به على مذهبه، أخذ منها النصف فأكمل منه للأخت تمام الثلث، وللأخ تمام الثلثين، وهي تنقسم من ستة فيأخذ أولا الأخ من النصف الذي صار للأخت اثنين ويبقي بيدها واحد، فإذا أقر العصبة أخذت منهم الأخت واحدا والأخ اثنين؛ ووجه هذا القول أن ما وجب للمقر به في حظ المنكر له في حكم المستهلك لإنكاره إياه، وعلى قياس هذا إلى اختلاف يختلف في أحد الورثة يقر بدين على الميت، فلا يلزمه على القول الأول من الدين الذي أقر به إلا ما ينوبه منه؛ وعلى القول الثاني: يأخذ المقر له بالدين جميع دينه من يد الذي أقر به كما إذا ثبت الدين ببينة وقد اقتسم الورثة تركة الميت وألفي في يد أحدهم ما قبض، وكان بقية الورثة قد قبضوا حقوقهم واستهلكوها وهم عدماء؛ لأنه يقول له: إن أقر له بالدين: أنت مقر لي بالدين، فلا يصح لك ميراث إلا بعد أداء الدين، لقول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، وهذا القول هو الذي اختاره ابن حبيب وقال: إن أصحاب مالك كلهم ينكرون قول مالك؛ إذ لا ميراث لأحد إلا بعد وفاء الدين؛ وأنكر أبو عمر الإشبيلي ما حكاه ابن حبيب عن أصحاب مالك وقال: إنه لا يعرف ذلك لأحد منهم، فإن أقروا رجع المقر بالدين عليهم بما غرم منه زائدا على ما وجب عليه، ويتخرج على هذا الاختلاف الذي وصفناه في أخت أقرت بابنة ثلاثة أقوال، أحدها: أن الابنة أحق بجميع حظ الأخت؛ لأنها تقول لها أنا أحق منك على قولك بالنصف الذي بيدك؛ لأني مبدأة عليك، فحقك إنما هو الذي في يد العصبة. والثاني: أن الأخت أحق بجميع ما بيدها ولا شيء للابنة المقر بها؛ لأنها تقول لها إنما أقررت لك بالنصف الذي بيد العصبة. والثالث: أن للبنت نصف ما بيد الأخت؛ لأن قسمتها مع العصبة لا تجوز عليها، فقد أقرت لها بنصف جميع المال على الإشاعة، فتأخذ نصف النصف الواجب للأخت، ويكون للأخت النصف الثاني، وللعصبة نصف المال كاملا، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك ثلاث بنات أو أربعا فادعين أخا:

قال وسألته عن رجل هلك وترك ثلاث بنات أو أربعا فادعين أخا، قال: إن كن أربعا أو أكثر لم يرددن شيئا، وإن كن ثلاثا كان لهن ثلاثة أخماس المال كله، ورددن ما فضل في أيديهن إلى الذي ادعين.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو على قياس قوله في المسألة التي قبلها، وعلى المشهور في المذهب، ووجه العمل في ذلك أن ينظر من حيث تقوم فريضتهم وتنقسم عليهم على الإقرار وعلى الإنكار، فما ازداده المقرات في حال الإنكار على الإقرار دفعنه إلى المقر به، وهي تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار إذا ترك الميت ثلاث بنات وعصبة، فأقر البنات بأخ من خمسة عشر- ضرب فريضة الإنكار ثلاثة في فريضة الإقرار- خمسة فيصير للبنات في حال الإنكار الثلثان بعشرة، وفي حال الإقرار ثلاثة الأخماس بتسعة، فيأخذ المقر به ما بين التسعة والعشرة- وذلك واحد وهو ثلث الخمس، ويبقى للعصبة الثلث وهو خمسة، فإن أقروا بالأخ يوما ما دفعوا إليه الخمسة التي بأيديهم، فاستوفى بذلك جميع حقه- وهو الخمسان وذلك ستة من خمسة عشر، وهي تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار إذا ترك الميت أربع بنات وعصبة من ستة، ويصير للبنات في حال الإقرار الثلثان أربعة مثل ما يصير لهن في حال الإنكار، فلا يلزمهن للأخ الذي أقررن به شيء، وكذلك لو ترك الميت خمس بنات وعصبة، لما وجب للمقر به على البنات شيء؛ لأنه يحصل لهن في حال الإقرار أكثر مما يحصل لهن في حال الإنكار، فيتهمن في إقرارهن على العصبة، وذلك أن الفريضة تقوم وتنقسم على الإقرار والإنكار من واحد وعشرين ضرب ثلاثة في سبعة، فيصير للبنات في حال الإقرار خمسة عشر، ويبقى للعصبة ستة؛ وفي حال الإنكار أربعة عشر، ويبقى للعصبة سبعة، ويدخل في هذه المسائل كلها الاختلاف الذي ذكرناه في المسألة التي قبلها، فيجب على قول ابن كنانة من أصحابنا ومن ذكرناه معه- إذا كان البنات ثلاثا وعصبة فأقررن بأخ أن يكون للأخ مما بيد البنات ثلثه وذلك ستة من ثمانية عشر- وهي التسعان من سبعة وعشرين التي تنقسم الفريضة منها، وذلك أن الأخ المقر به يقول لأخواته: الثلث الذي أقررن به لي قد جحدته العصبة، فصارت بجحودها إياه مستهلكة له، فلا يجب لكن الثلثان إلا من الباقي وذلك اثنا عشر وبأيديكن ثمانية عشر فادفعن إلي الستة الفاضلة بأيديكن فيأخذها منهن، فإذا أقر العصبة به يوما ما أخذ الأخ منها ثلاثة والبنات ستة بقية التسعة، فاستوفى بذلك البنات الثلثين، والأخ الثلث، ويأتي على قوله إذا كان البنات أربعا وعصبة، فأقر البنات بأخ أن يكون للأخ مما بيد البنات ثلثه أيضا- وذلك أربعة من اثني عشر- وهي التسعان من ثمانية عشر التي تنقسم الفريضة منها، وذلك أن الأخ المقر به يقول لأخواته- الثلث الذي أقررتن به لي قد جحدتني إياه العصبة فصارت بجحودها إياه مستهلكة له، فلا يجب لكن الثلثان، إلا من الباقي- وذلك ثمانية وبأيديكن اثنا عشر فادفعن إلي الأربعة الفاضلة بأيديكن، فيأخذها منهن، فإن أقرت العصبة به يوما ما أخذ الأخ منها اثنين، والبنات أربعة بقية الستة، فاستوفى بذلك البنات الثلثين، والأخ الثلث، وكذلك على هذا القياس إذا كان البنات أكثر من أربع، وبالله التوفيق.